19 - 06 - 2024

مؤشرات | الإنسانية لا تتجزأ في كوارث سوريا وتركيا

مؤشرات | الإنسانية لا تتجزأ في كوارث سوريا وتركيا

ما زالت وستزال لأيام وشهور تداعيات وتأثيرات الزلزال الذي ضرب كل من سوريا وتركيا ، وخلف ضحايا تجاوزوا حتى كتابة هذه السطور ما يقارب الـ25 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحي والمشردين في كلا البلدين، خصوصا مع تزامنه مع شدة البرودة والصقيع وسقوط الثلوج في المناطق المنكوبة.

وفي الكوارث لا يمكن لدولة وحدها، ومهما كانت إمكاناتها، مواجهة ما تخلفه من مصائب ، ففي الكوارث تلعب المعونات والدعم اللوجستي والإنقاذ والكوادر وغيرها، دورا محوريا في مواجهة المخاطر والتداعيات، ولا شك أن المزايدات هنا يجب أن يتم تجنيبها، ودخول السياسة طرف إفساد لكل شئ، لأن الضحية سيكون المتضررون، ومن هم في حاجة إلى الدعم والإنقاذ والحق في الحياة.

وقولا واحدا "السياسة يجب أن يتم تجنيبها" في الكوارث وإنقاذ الضحايا وتقديم المعونات، ومن هنا تأتي أهمية ما قاله المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا المصطفى بن المليح "ندائي هو ضعوا السياسة جانباً ودعونا نقوم بعملنا الإنساني، ولا يمكننا تحمل الانتظار والتفاوض، فالوقت الذي نتفاوض فيه، يكون قُضي الأمر".

ولكن ومن خلال المتابعة لما يجري فالمعلومات تشير إلى أن الواقع مازال مختلفا،

فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لايين" في اليوم الثاني أو الثالث للزلزال " إن الاتحاد الأوروبي يعتزم استضافة مؤتمر للمانحين أوائل مارس في بروكسل لجمع مساعدات دولية لسوريا وتركيا بعد الزلزال المدمّر الذي ضربهما ، مضيفة في تغريدة "نحن في سباق مع الزمن لإنقاذ الأرواح معًا، وقريبًا سنقدم مساعدة إنسانية عاجلة معًا، بإمكان تركيا وسوريا الاعتماد على الاتحاد الأوروبي".

ورغم أن سوريا تقدّمت بطلب مساعدة رسمي عبر آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، فقد  أعلن المفوض الأوروبي والمسؤول عن إدارة الأزمات "يانيز ليناركيتش": "إن المفوضية الأوروبية "تشجّع" الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الاستجابة لطلب سوريا للحصول على معدات طبية وأغذية، مع المراقبة للتأكد من أن أي مساعدات "لن يتم استخدامها لأغراض أخرى" من جانب حكومة دمشق.

لاحظ هذا الشرط الغريب والذي يحمل كلمات مطاطية، بالقول "التأكد من أنه لن يتم استخدام المساعدات لأغراض أخرى"، وتبع ذلك أن سارع الاتحاد الأوروبي بالفعل إلى إرسال فرق إنقاذ إلى تركيا بعد الزلزال الذي ضرب البلاد بالقرب من الحدود مع سوريا.

ولكن مراقبون رصدوا أنه وفي بادئ الأمر قدم  الإتحاد الأوروبي مساعدة صغيرة لسوريا من خلال برامج المساعدة الإنسانية القائمة بالأساس، بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة منذ 2011 على حكومة الرئيس بشار الأسد، وذرًا للرماد في العيون فقد قالت بروكسل "إن الباب مفتوح للحكومة السورية لطلب المساعدة جرّاء الزلزال".

ولا يمكن تبرير ضعف قوافل الإنقاذ بين تركيا وسوريا تحت أية أقوال ومواقف، مع التأكيد أن كلاهما متضررة من كارثة الزلزال، ولا يمكن أن نتوقف في هذا الأمر عند أرقام الضحايا والتي قاربت الـ20 ألف في تركيا، والـ5 آلاف ضحية في سوريا، ولكن الملاحظ وجود حالة ضعف في عمليات الإنقاذ وهو ما يتسبب في نتائج كارثية، فقد رصدت مؤسسات دولية وصول الكثير من فرق الإنقاذ الدولية إلى تركيا للمساعدة في العثور على ناجين أو انتشال الجثث، بينما ظهر أن عدد من وصلوا سوريا أقل بكثير.

وبعيدا عن أوروبا دعونا نرصد ونقرأ التحرك العربي في عمليات الدعم والإنقاذ للشعب السوري والتركي، ونرى ماذا حدث مع سوريا، مع الإجابة عن السؤال المهم "هل كان التحرك العربي على قدر حجم الحدث؟".

ووفقا لرصد محايد من جهات دولية، فالجزائر من أوائل الدول التي بعثت طاقم إنقاذ إلى سوريا، وبعثت طائرة إغاثية في اليوم الثاني، وأعلنت العراق فتح جسر جوي مع سوريا وتركيا، وهنا نشير إلى أن إيران، كانت في طليعة من أعلنوا عن رحلات دعم وإغاثة.

وأعلنت كل من مصر والأردن وتونس والسلطة الفلسطينية إرسال مساعدات عاجلة، وحرصت القاهرة على الإعلان عن وجود تنسيق مع الحكومة السورية في دمشق لإيصال المساعدات.

وفي لبنان أعلنت الحكومة التنسيق المباشر مع نظام الأسد، وأتاحت المجال أمام المنظمات والشركات لاستخدام الموانئ للوصول بحرا إلى سوريا، كما أكدت وجود رحلات جوية بين البلدين.

ومن أبوظبي فقد أعلنت الإمارات دعم كبير للشعب السوري، بجسر جوي إماراتي إلى دمشق، ولكن أخذت السعودية بعض الوقت لتعلن عن جسر جوي لسوريا وتركيا يضم مساعدات عاجلة فضلا عن تنظيم حملة شعبية لجمع التبرعات، مع شبه عدم تنسيق مع حكومة دمشق.

وفي قطر وهي من الدول الأكثر رفضا لنظام بشار الأسد، فقد أعلنت عن جسر جوي مخصص لتركيا، في وقت أشارت فيه – على مضض- إلى أن الجسر يضم مساعدات موجهة كذلك إلى الشعب السوري، دون الإعلان عن وجود تنسيق مع النظام السوري، بعكس التأكيد عن تنسيق مع الجانب التركي، في رغبة منها على إيصال المساعدات براً إلى المتضررين في الشمال السوري دون المرور عبر المطارات التي تسيطر عليها الحكومة السورية.

ومن الكويت وسلطنة عمان فقد أعلنتا عن مد جسر جوي إلى تركيا، فيما بدى أنهما حرصا على نقل المساعدات إلى الجانب السوري دون المرور بالمطارات الرسمية التي يسيطر عليها النظام السوري.

وبدى أن العديد من الدول العربية فعلت ما فعله كل من الجانبين الأوروبي والأمريكي، حيث لا يوجد أي شكل من أشكال التنسيق مع أيّ جهة سورية، ويتم التنسيق مع الجانب التركي لوصول فرق الإنقاذ ومساعدات الإغاثة إلى تركيا ومن ثمة إلى سوريا براً.

في ضوء ذلك نؤكد على أن الإنسانية لا تتجزأ، وفي الكوارث تسقط الأقنعة وتكشف لماذا نشهد تباطؤا في الدعوة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإعادة تطبيع العلاقات مع حكومته.

مع ملاحظة مهمة أن المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، "ستيفان شنيك" قال جملة مهمة جدا ، أنه "لا توجد عقوبات أوروبية على المساعدات الإنسانية لسوريا"، وقد طالب من الحكومة السورية وجميع الأطراف "فتح المعابر للسماح بوصول المساعدات بسرعة".

ولا يمكن أن نقف عند سعي البعض لتسييس كارثة الزلزال من أي طرف، ولحسابات خاصة، كما ظهر في بعض التغريدات على صفحات التواصل الإجتماعي، فالأهم هو أن الشعب السوري المنكوب بحاجة إلى كل يد مساعدة، فأنقذوا الأطفال ومن هم تحت الأنقاض.. في سوريا وتركيا على السواء، وإنسوا مواقفكم .. فهناك شعب يموت.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | (رغيف العيش) .. أمن اجتماعي وغذائي





اعلان